|
الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
والثاني: الحافظ لأمر الله تعالى، قاله مقاتل.قوله تعالى: {من خَشِيَ الرَّحمنَ بالغيبِ} قد بيَّنّاه في [الأنبياء: 49] {وجاء بقلبٍ مُنيبٍ} أي: راجع إلى طاعة الله عن معصيته.{أُدخلوها} أي: يقال لهم: أُدخلوا الجنة {بسلام} وذلك أنهم سَلِموا من عذاب الله، وسلموا فيها من الغُموم والتغيُّر والزَّوال، وسلم اللهُ وملائكتُه عليهم {ذلك يومُ الخُلود} في الجنة، لأنه لا موت فيها ولا زوال.{لهم ما يشاؤون فيها} وذلك أنهم يَسألون الله حتى تنتهي مسائلُهم، فيُعْطَوْن ما شاؤوا، ثم يَزيدُهم ما لم يَسألوا، فذلك قوله: {ولدينا مَزيدٌ} وللمفسرين في المراد بهذا المزيد ثلاثة أقوال.أحدها: أنه النظر إلى الله عز وجل؛ روى عليٌ رضي الله عنه عن النبي عليه السلام في قوله: {ولدينا مَزيدٌ} قال: يتجلَّى لهم.وقال أنس بن مالك: في قوله: {ولدينا مزيد} يتجلَّى لهم الرب تعالى في كل جمعة.والثاني: أن السحاب يَمُرَّ بأهل الجنة، فيمطرهم الحورَ، فتقول الحور: نحن اللواتي قال الله عزل وجل: {ولدينا مزيد}، حكاه الزجاج.والثالث: أن الزِّيادة على ما تمنَّوه وسألوا ممّا لم تسمع به أذن ولم يخطُر على قلب بشر، ذكره أبو سليمان الدمشقي.ثم خوَّف كفار مكة بما بعد هذا إلى قوله: {فنَقَّبوا في البلاد} قرأ الجمهور {فنَقَّبوا} بفتح النون والقاف مع تشديدها.وقرأ أُبيُّ بن كعب، وابن عباس، والحسن، وابن السميفع، ويحيى بن يعمر.كذلك، إلا أنهم كسروا القاف على جهة الأمر تهدُّدًا.وقرأ عمر بن الخطاب، وعمر بن عبد العزيز، وقتادة، وابن أبي عبلة، وعبيد عن أبي عمر، {فنَقَبوا} بفتح القاف وتخفيفها.قال الفراء: ومعنى {فنقَّبوا} ساروا في البلاد، فهل كان لهم من الموت {مِن مَحيص} فأُضمرت {كان} هاهنا، كقوله: {أهلَكْناهم فلا ناصر لهم} [محمد: 13] أي: فلم يكن لهم ناصر.ومن قرأ {فنَقِّبوا} بكسر القاف، فإنه كالوعيد؛ والمعنى: اذهبوا في البلاد وجيئوا فهل من الموت مِن مَحيص؟! وقال الزجاج {نَقِّبوا}: طوِّقوا وفتِّشوا، فلم تَرَوا مَحيصًا من الموت.قال امرؤ القيس:
فأمّا المَحيص فهو الَمعْدلِ؛ وقد استوفينا شرحه في [سورة النساء: 121].قوله تعالى: {إنَّ في ذلك} يعني الذي ذكره من إهلاك القرى {لَذِكرى} أي: تذكرة وعِظَة {لِمَن كان له قلبٌ} قال ابن عباس: أي: عقل.قال الفراء: وهذا جائز في اللغة أن تقول: ما لَكَ قلب، وما معك قَلبُك، تريد العقل.وقال ابن قتيبة: لما كان القلب موضعًا للعقل كنى به عنه.وقال الزجاج: المعنى: لمن صرف قلبه إلى التفهُّم، {أو ألقى السَّمْع} أي: استَمَع مِنِّي {وهو شهيدٌ} أي: وقَلْبُه فيما يسمع.وقال الفراء: وهو شهيد أي: شاهد ليس بغائب.قوله تعالى: {ولقد خَلَقْنا السموات والأرض} ذكر المفسرون أن اليهود قالت: خَلَقَ اللهُ السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام، آخرها يوم الجمعة، واستراح يوم السبت، فلذلك لا نعمل فيه شيئا، فنزلت هذه الآيات، فأكذبهم اللهُ عز وجل بقوله: {وما مَسَّنا مِن لغوبٍ} قال الزجاج: واللُّغوب التَّعب والإعياء.قوله تعالى: {فاصْبِر على ما يقولون} أي: من بَهتهم وكذبهم.قال المفسرون: ونسخ معنى قوله: {فاصْبِر} بآية السيف {وسَبِّح بحمد ربِّك} أي: صَلِّ بالثَّناء على ربِّك والتنزيه له ممَّا يقول المُبْطِلون {قَبْلَ طُلوع الشمس} وهي صلاة الفجر.{وقَبْلَ الغُروب} فيها قولان.أحدهما: صلاة الظهر والعصر، قاله ابن عباس.والثاني: صلاة العصر، قاله قتادة.وروى البخاري ومسلم في (الصحيحين) من حديث جرير بن عبد الله، قال: كُنّا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة البدر، فقال: «إنَّكم سَترُونَ ربَّكم عِيانا كما ترون هذا القمر، لا تُضَامُّونَ في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تُغْلَبوا على صلاةٍ قَبْلَ طُلوع الشمس وقبل الغُروب فافعلوا».وقرأ {فسبِّح بحمد ربِّك قبل طُلوع الشمس وقبل الغروب}.قوله تعالى: {ومن الليل فسبِّحْه} فيه ثلاثة أقوال.أحدها: أنها صلاة الليل كلِّه، أيَّ: وقت صلّى منه، قاله مجاهد.والثاني: صلاة العشاء، قاله ابن زيد.والثالث: صلاة المغرب والعشاء قاله مقاتل.قوله تعالى: {وأدبارَ السُّجود} قرأ ابن كثير، ونافع، وحمزة، وخلف: بكسر الهمزة؛ وقرأ الباقون بفتحها.قال الزجاج: من فتح ألف {أدبار} فهو جمع دُبُر، ومن كسرها فهو مصدر: أدبر يُدْبِر إدبارًا.وللمفسرين في هذا التسبيح ثلاثة أقوال.أحدها: أنه الرَّكعتان بعد صلاة المغرب، روي عن عمر، وعليّ، والحسن بن علي، رضي الله عنهم، وأبي هريرة، والحسن، ومجاهد، والشعبي، والنخعي، وقتادة، في آخرين، وهو رواية العوفي عن ابن عباس.والثاني: أنه النوافل بعد المفروضات قاله ابن زيد.والثالث: أنه التسبيح باللسان في أدبار الصلوات المكتوبات، رواه مجاهد عن ابن عباس.وروي عن أبي الأحوص أنه قال في جميع التسبيح المذكور في هاتين الآيتين كذلك.قوله تعالى: {واسْتَمِعْ يومَ يُنادي المُنادي} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، {ينادي المُنادي} بياء في الوصل.ووقف ابن كثير بياءٍ، ووقف نافع وأبو عمرو بغير ياءٍ.ووقف الباقون ووصلوا بياءٍ.قال أبو سليمان الدمشقي: المعنى: واستمع حديث يوم ينادي المنادي.قال المفسرون: والمنادي إسرافيل، يقف على صخرة بيت المقدس فينادي: يا أيها الناس هلُمُّوا إلى الحساب، إن الله يأمركم أن تجتمعوا لفصل القضاء؛ وهذه هي النفخة الأخيرة.والمكان القريب صخرة بيت المقدس.قال كعب ومقاتل: هي أقرب الأرض إلى السماء بثمانية عشر ميلًا وقال ابن السائب: باثني عشر ميلًا قال الزجاج: ويقال: إن تلك الصخرة في وسط الأرض.قوله تعالى: {يومَ يَسْمَعونَ الصَّيحة} وهي هذه النَّفخة الثانية {بالحَقِّ}، أي: بالبعث الذي لا شكَّ فيه {ذلك يومُ الخُروج} من القبور.{إنا نحنُ نُحيي ونُميتُ} أي: نُميت في الدنيا ونُحيي للبعث {وإلينا المَصيرُ} بعد البعث، وهو قوله: {يوم تَشَقَّقُ الأرضُ عنهم} قرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر، {تَشَّقَّقُ} بتشديد الشين؛ وقرأ الباقون بتخفيفها {سراعًا} أي: فيخرجون منها سِراعًا، {ذلك حَشْرٌ علينا يَسيرٌ} أي هَيِّنٌ.ثم عزَّى نبيَّه فقال: {نحنُ أعلمُ بما يقولون} في تكذيبك، يعني كفار مكة {وما أنتَ عليهم بجَبَّارٍ} قال ابن عباس: لم تبعث لتجبرَهم على الاسلام إنما بُعثتَ مذكِّرًا، وذلك قبل أن يؤمَر بقتالهم؛ وأنكر الفراء هذا القول فقال: العرب لا تقول فَعَّال من أفْعَلتُ لا يقولون خَرَّاج يريدون مُخْرِج ولا دخَّال يريدون مُدْخِل، إنما يقولون: فَعَّال من فَعَلْتُ، وإنما الجَبَّار هنا في موضع السلطان من الجبرية، وقد قالت العرب في حرف واحد: دَرَّاك من أدْرَكْتُ، وهو شاذ، فإن جعل هذا على هذه الكلمة فهو وجه.وقال ابن قتيبة: {بجبَّار} أي: بمسلَّط، والجبَّار: الملِك، سمِّي بذلك لِتَجَبُّره، يقول: لستَ عليهم بملِك مُسَلَّط.قال اليزيدي: لستَ بمسلَّط فتَقْهَرهم على الإسلام، وقال مقاتل: لِتَقْتُلَهم.وذكر المفسرون أن قوله: {وما أنت عليهم بجبَّار} منسوخ بآية السيف.قوله تعالى: {فذكِّر بالقرآن} أي: فَعِظْ به {مَنْ يَخافُ وَعيدِ} وقرأ يعقوب: {وعيدي} بياءٍ في الحالين، أي: ما أَوعدتُ مَنْ عَصاني من العذاب. اهـ.
|